فصل: تفسير الآية رقم (116):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (116):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً} [116].
{إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمن يَشَاء} قد مر الكلام على هذه الآية الكريمة في أوائل هذه السورة مطولاً، قالوا: تكريرها إما تأكيداً وتشديداً أو لتكميل قصة طعمة، وقد مر موته كافراً، أو إن لها سبباً آخر في النزول، على ما رواه الثعلبي عن ابن عباس قال: جاء شيخ، إلى رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم وقال: إني شيخ منهمك في الذنوب، إلا أني لم أشرك بالله شيئاً منذ عرفته وآمنت به، ولم أتخذ من دونه ولياً، ولم أوقع المعاصي جراءة، وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله هرباً، وإني لنادم تائب، فما ترى حالي عند الله سبحانه وتعالى؟ فنزلت، واستظهر بعضهم الوجه الأخير قال: لأن التأكيد، مع بعد عهده، لا يقتضي تخصص هذا الموضع، فلابد له من مخصص.
وأغرب المهايميّ حيث جعلها مشيرة إلى شقي الآية الكريمة، حيث قال: ثم أشار إلى أن وعيد مشاقة الرسول جازم دون مخالفة الإجماع، لأن مشاقة الرسول دليل تكذيبه، وهو مستلزم للشرك بالله، إذ خلق المعجزات لا يكون إلا لكامل القدرة، ولا يكون إلا لإله، فإذا نفاها عن الله فقد أثبت له شريكاً وأن الله لا يغفر أن يشرك به، ومخالفة الإجماع يجوز أن تكون مغفورة، لأنه يغفر ما دون ذلك لمن يشاء، إذا لا تنتهي إلى الشرك، وكل هذه المناسبات دالة دون ذلك قطعاً على دلالة هذه الآية، على أن ما سوى الشرك مغفور قطعاً، سواء حصلت التوبة أو لم تحصل.
وقد روى الترمذيّ عن علي رَضِي اللّهُ عَنْهُ أنه قال: ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية: {إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}- الآية: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً} أي: عن الحق، فإن الشرك أعظم أنواع الضلالة وأبعدها عن الصواب والاستقامة، وإنما ذكر في الآية الأولى: {فَقَدِ افْتَرَى} لأنها متصلة بقصة أهل الكتاب، ومنشأ شركهم كان نوع افتراء، وهو دعوى التبني على الله تعالى بقولهم: {نحن أبناؤ الله وأحباؤه} قاله القاضي.
وفي السمين: ختمت الآية المتقدمة بقوله: {فَقَدِ افْتَرَى} وهذه بقوله:: {فَقَدْ ضَلّ} لأن الأولى في شأن أهل الكتاب وهم عندهم علم بصحة نبوته، وأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع، ومع ذلك فقد كابروا في ذلك وافتروا على الله، وهذه في شأن قوم مشركين ليس لهم كتاب ولا عندهم علم، فناسب وصفهم بالضلال، وأيضاً قد تقدم هنا ذكر الهدى وهو ضد الضلال. انتهى.

.تفسير الآية رقم (117):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاّ شَيْطَاناً مّرِيداً} [117].
{إن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} ما يعبد مشركو مكة ونحوهم من دون الله.
{إِلاّ إِنَاثاً} قال الرازيّ: {يدعون} بمعنى يعبدون لأن من عبد شيئاً فإنه يدعوه عند احتياجه إليه. انتهى.
وقد روى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأصحاب السنن وغيرهم، عن النعمان بن بشير، أن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: «الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَة»، ورواه أبو يعلى عن البراء، ورواه الترمذيّ عن أنس بلفظ: «الدُّعَاءَ مُخ الْعِبَادَة».
وفي قوله تعالى: {إِلاّ إِنَاثاً} وجوه:
الأولى: ما رواه ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: يعني أوثاناً، وعليه فمرجع التسمية بالإناث كون أسماء غالبها مؤنثة، كمناة والعزى واللات ونحوها، ولأنهم كانوا يلبسونها أنواع الحلي ويزينونها على هيئات النسوان.
وروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير ومجاهد وأبي مالك والسدي ومقاتل نحو ما لعائشة.
الوجه الثاني: أنه عنى الملائكة، لأن بعضهم كان يعبد الملائكة ويقولون عنها: بنات الله.
روى ابن جرير عن الضحاك في الآية: قال المشركون، للملائكة: بنات الله، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، قال: فاتخذوهن أرباباً وصوروهن جواري فحكوا وقلدوا وقالوا: هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نبعده، يعنون الملائكة.
قال ابن كثير: وهذا التفسير شبيه بقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللّاتَ وَالْعُزّى} [النجم: 27] الآيات وقال تعالى: {وَجَعَلُوا الملَائِكَةَ الّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرّحْمَنِ إِنَاثاً} [الزخرف: 19].... الآية، وقال: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنّةِ نَسَباً} [الصافات: 137] انتهى.
وقال تعالى: {إِنّ الّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمّونَ الملَائِكَةَ تَسْميةَ الْأُنثَى}.
الوجه الثالث: ما رواه ابن أبي حاتم عن أُبي بن كعب في الآية قال: مع كل صنم جنية.
الرابع: قال عليّ بن أبي طلحة والضحاك عن ابن عباس والحسن: إناثاً يعني موتى، قال الحسن: الإناث كل شيء ميت ليس فيه روح، إما خشبة يابسة وإما حجر يابس.
رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وفي القاموس، وشرحه: الإناث جمع الأنثى، وهو خلاف الذكر من كل شيء، والموات الذي هو خلاف الحيوان، كالشجر والحجر والخشب، عن اللحياني، وعن الفراء: تقول العرب اللات والعزى وأشباههما من الآلهة المؤنثة. انتهى.
وقال الإمام أبو البقاء: قوله تعالى: {إِلاّ إِنَاثاً} هو جمع أنثى على فعال ويراد به كل ما روح فيه من صخرة ومس ونحوهما، ويقرأ {أنثى} على الإفراد، ودل الواحد على الجمع، ويقرأ {أُنُثَاً} مثل رسل يجوز أن تكون صفة مفردة مثل امرأة جنب، ويجوز أن يكون جمع أنيث كقليب وقُلُب، وقد قالوا: حديد أنيث، من هذا المعنى، ويقرأ {أُنُثاً} والواحد وثن وهو الصنم وأصله وثن، في الجمع كما في الواحد إلا أن الواو قلبت همزة لما انضمت ضماً لازماً وهو مثل أسَد وأسُد، ويقرأ بالواو على الأصل جمعاً، ويقرأ بسكون الثاء مع الهمزة والواو. انتهى.
قال البيضاوي: ولعله تعالى ذكرها بهذا الاسم تنبيهاً على أنهم يعبدون ما يسمونه إناثاً، لأنه ينفعل ولا يفعل، ومن حق المعبود أن يكون فاعلاً غير منفعل، ليكون دليلاً على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم.
{وَإِن يَدْعُونَ} أي: ما يعبدون من دون الله.
{إِلاّ شَيْطَاناً مّرِيداً} وهو إبليس لعنه الله لطاعتهم له في عبادتها، وإذا أطاعوه فيما سوّل لهم فقد عبدوه، كما قال تعالى: {أَلم أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشّيْطَانَ} [يس: 60] وقال تعالى: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنّ أَكْثَرُهُم بِهِم مّؤْمِنُونَ} [سبأ: 41] والمريد المتمرد العاتي الطاغي.

.تفسير الآية رقم (118):

القول في تأويل قوله تعالى: {لّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتّخِذَنّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مّفْرُوضاً} [118].
{لّعَنَهُ اللّهُ} صفة ثانية لـ: {شيطاناً} أي: أبعده الله عن رحمته، فأراد إبعاد مَنْ أبعد بسببه.
{وَقَالَ} حين أُبْعَد: {لَأَتّخِذَنّ مِنْ عِبَادِكَ} أي: الذي أبعدتني بسببهم أي: لأجعلن لي منهم: {نَصِيباً} أي: حظاً.
{مّفْرُوضاً} أي: مقطوعاً ومقدراً من عبادتهم بأن يعبدوا غيرك، أو يراؤا فيها، أو يعجبوا بها، أو يتلفوها في المظالم، أو يحبطوها بالكفر بعدها.
قال العلامة أبو السعود، قوله تعالى: {وَقَالَ} إلخ عطف على الجملة المتقدمة: أي: شيطاناً مريداً جامعاً بين لعنة الله، وهذا القول الشنيع الصادر عنه عند اللعن، ولقد برهن على أن عبادة الأصنام غاية الضلال بطريق التعليل بأن ما يعبدونها ينفعل ولا يفعل فعلاً اختيارياً، وذلك ينافي الألوهية غاية المنافاة، ثم استدل عليه بأن ذلك عبادة للشيطان وهو أفظع الضلال من وجوه ثلاثة:
الأول: أنه منهمك في الغي لا يكاد يعلق بشيء من الخير والهدى، فتكون طاعته ضلالاً بعيداً عن الحق.
والثاني: أنه ملعون لضلاله، فلا تستتبع مطاوعته سوى اللعن والضلال.
والثالث: أنه في غاية السعي في إهلاكهم وإضلالهم، فموالاة من هذا شأنه غاية الضلال، فضلاً عن عبادته.

.تفسير الآية رقم (119):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلأُضِلّنّهُمْ وَلأُمَنّيَنّهُمْ وَلآمُرَنّهُمْ فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتّخِذِ الشّيْطَانَ وَلِيّا مّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مّبِيناً} [119].
{وَلأُضِلّنّهُمْ} أي: عن الهدى.
{وَلأُمَنّيَنّهُمْ} أي: الأماني الباطلة من طول الأعمار وبلوغ الآمال، قال الرازيّ: إن الشيطان لما ادعى أنه يضل الخلق قال: {وَلأُمَنّيَنّهُمْ} وهذا يشعر بأنه لا حيلة له في الإضلال أقوى من الأماني في قلوب الخلق، وطلب ما يورث شيئين: الحرص والأمل، والحرص والأمل يستلزم أكثر الأخلاق الذميمة، وهما كالأمرين اللازمين لجوهر الإِنسَاْن، قال صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان: الحرص والأمل».
والحرص يستلزم ركوب أهوال الدنيا وأهوال الدين، فإنه إذا اشتد حرصه على الشيء فقد لا يقدر على تحصيله إلا بمعصية الله وإيذاء الخلق، وإذا طال أمله نسي الآخرة وصار غريقاً في الدنيا، فلا يكاد يقدم على التوبة ولا يكاد يؤثر فيه الوعظ فيصير قلبه كالحجارة أو أشد قسوة.
{وَلآمُرَنّهُمْ} أي: على خلاف أمرك إضلالاً لهم.
{فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأَنْعَامِ} أي: فليقطعنها ويشقنها سِمَة وعلامة للبحائر والسوائب ليحرموها، بعدما أحللتها، قال الواحدي رحمه الله: التبتيك: هاهنا هو قطع آذان البحيرة، بإجماع المفسرين، وذلك أنهم كانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن، وجاء الخامس ذكراً ثم تسيب وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها، فأعفوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح، ولا يردونها عن ماء ولا مرعى، وإذا لقيها المعيى المنقطع به لم يركبها، وسوّل لهم إبليس أن هذا قربة وهي البحيرة.
قال ابن سيده: بحر الناقة والشاة يبحرها: شق أذنها بنصفين، وقل بنصفين طولاً.
{وَلآمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ} أي: دين الله عز وجل، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وكثيرين، وهذا كقوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ} [الروم: 30] على قول من جعل ذلك أمراً، أي: لا تبدلوا فطرة الله، ودعوا الناس على فطرتهم.
كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تولد الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُجدُّونَ بهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟».
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «قال الله عز وجل: إِنِّي خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاء فَجَاءَتْهُمْ الشَّيَاطِين فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينهمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْت لَهُمْ».
وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «رأيت عَمْرو بن عامر الخُزَاعِي يجر قُصْبَه في النار، وكان أول من سيّب السوائب وَبَحَر البحيرة».
وروى الطبراني عن ابن عباس مرفوعاً: «أول من غير دين إبراهيم عَمْرو بن لُحيّ بن قمعة بن خندف، أبو خزاعة».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس: أنه عنى بالآية خصي الدواب، وقال أنس: منه الخصا.
وقد روى ابن عساكر عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم عن الإخصاء.
ورواه الإمام أحمد أيضاً عنه بلفظ: نهى رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم عن خصاء الخيل والبهائم.
وروى الطبراني عن ابن مسعود: نهى النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم أن يخصى أحد من ولد آدم.
وروى البيهقيّ عن ابن عباس: نهى النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم عن صبر الروح وخصاء البهائم.
وقال الحسن: عنى بالآية الوشم- بالشين المعجمة- أخرجه ابن أبي حاتم.
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة: نهى رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم عن الوشم.
وفي الصحيح عن ابن مسعود: «لَعَنَ اللَّه الْوَاشِمَات وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالنَّامِصَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه عَزَّ وَجَلَّ» ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَلْعَن مَنْ لَعَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَعْنِي قَوْله: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.
قال السيوطيّ في الإكليل: فيستدل بالآية على تحريم الخصاء والوشم وما يجري مجراه، من الوصل في الشعر، والتفلج، وهو تفريق الأسنان، والتنميص، وهو نتف الشعر في الوجه. انتهى.
قال بعض الزيدية: ويحلق بالوشر ما يفعل في الخد من الشرط للزينة، وحكى الزجاج عن بعضهم، في معنى الآية: إن الله تعالى خلق الأنعام ليركبوها ويأكلوها، فحرموها على أنفسهم كالبحائر والسوائب والوصائل، وخلق الشمس والقمر والنجوم مسخرة للناس ينتفعون بها، فعبدها المشركون فغيروا خلق الله، ولا يخفى أن عموم الآية يصدق على جميع المعاني، إذ كلها من تغيير خلق الله، فلا مانع من حمل الآية عليها.
قال البيضاوي: قوله: {فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ} أي: عن وجهه وصورته، أو صفته، ويندرج فيه ما قيل من فقء عين الحامي، وخصاء العبيد، والوشم والوشر، واللواط، والسحق، ونحو ذلك، وعبادة الشمس والقمر، وتغيير فطرة الله تعالى التي هي الإسلام، واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالاً، ولا يوجب لها من الله سبحانه وتعالى زلفى. انتهى.
وهذه الجملة المحكية عن اللعين مما نطق به لسانه مقالاً أو حالاً، وما فيها من اللامات كلها للقسم، والمأمور به في الموضعين محذوف، ثقة بدلالة النظم عليه، ثم حذر تعالى عن متابعته فقال: {وَمَن يَتّخِذِ الشّيْطَانَ وَلِيّا مّن دُونِ اللّهِ} بإيثار ما يدعو إليه، مجاوزاً ولاية الله، بترك ما يدعو إليه.
{فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مّبِيناً} أي: بيناً لمصيره إلى النار المؤبدة عليه.